ليس دفاعا عن الشيعة و إنما عن الوطن !!
نور الدين لشهب
Wednesday, May 28, 2008
سبق لي أن أشرت في وقت سابق إلى خبر صدور أول جريدة شيعية في تاريخ الصحافة بالمغرب، ونشر هذا الخبر في مواقع الكترونية عديدة أخذته من موقع "هسبريس" الذي نشر هذا الخبر كما أخذته منابر صحفية ونسبه صحفيوها إلى أنفسهم عن طريق اللعب بالكلمات وشيئ من التحريف والتصحيف دون الإشارة إلى مصدر الخبر "هسبريس" أو إلى اسم صاحب المقال "نور الدين لشهب".
ليس مُهماً أن نذكر بالأمانة...بينما الأهم أن الخبر لقي تجاوبا منقطع النظير من قبل القراء داخل المغرب وخارجه بين مرحب بهذا الإصدار وبين رافض لوجود التشيع بالمغرب أصلا إلى درجة جعلتني أندم على نشره ليس حبا في الشيعة والتشيع وإنما خوفا على الجريدة أن تتعرض للمصادرة ، وكنت إذاك أحس أني أتحمل جانبا من التشهير بهذه الجريدة وشاركت في توقيفها.لكن أصحاب الجريدة استحسنوا الخبر وصدر العدد الثاني منها يتناول ملفا على قدر كبير من الحساسية "الإسلاميون والعنف" بطريقة مختلفة عما يروج في الإعلام المغربي ، حيث تطغى الحسابات السياسية على حساب التبين المعرفي اللازم،فالموضوع تناوله أصحاب الجريدة (رؤى معاصرة) بطريقة احترافية تحاكم العنف انطلاقا من المجال التداولي الإسلامي في السياسة والمعرفة والاجتماع بالطريقة نفسها التي نقرأ بها مجلات المنطلق والكلمة وقضايا معاصرة وو...التي تفد علينا من لبنان بشكل خاص.
بينما كنت أقرأ العدد الثاني من الجريدة المذكورة تشاء الأقدار أن ألتقي مديرها الأستاذ يونس السريفي، ولم أكن أعلم أنه ابن بلدتي،غير أنه كان يعرفني من خلال بعض زملائه الذين يتابعون ما أكتبه في جريدة محلية تصدر من مدينتنا، وكان اللقاء الذي تمنيته !!..
السيد يونس، مدير جريدة رؤى معاصرة،مواطن مغربي وأستاذ باحث في العلوم السياسية بكلية الحقوق، وشاب مثقف، أخلاق عالية، وغيرة وطنية ،والتزام بالوسطية والاعتدال، وإيمان بالوحدة في إطار التنوع، والتنوع في إطار الوحدة،وقناعته بخط فكري ، وليس مذهبي ،يقوم على الاختلاف العقلاني المعاصر التوحيدي، هي قيم مسددة بحب آل البيت عليهم السلام كما يؤكد بثقة كلها تواضع، إذا رأيته أحببته،وإذا غاب عنك تذكرته بالخير. لما كان يتكلم معي في المقهى ،تذكرت بعضهم ،رؤوسهم فارغة،وتعالم مزيف .أما يونس فكان يتحدث في التراث والتصوف والحركات الإسلامية والأحزاب العلمانية والفلسفة وعلم الكلام،هو بحر فاغرف منه ما تشاء يا صاح!! وستعجب لو علمت انه من مواليد عام 1981 وأستاذ بالكلية. هو ذاك المثقف المسؤول الذي تحدث عنه يوما المفكر الإيراني علي شريعتي. في الحقيقة أحس بالافتخار أن يكون شاب هكذا ابن بلدتي على هذا القدر من المعرفة والالتزام بخط معرفي يؤمن به ويدافع عنه ، ويُسَخر كل إمكانياته العلمية ليحاور،وان كان لا يُقنع،فعلى الأقل فهو يُمتع. لم تكن جِلْستنا مدار تهارش وتنافر،بل كان يستبد بها "البيان والتبيين" و"الإمتاع والمؤانسة" وحضرها الندماء الثلاثة: العقل والكلمة الطيبة وحب الله !! وكان الاختلاف... وكان الائتلاف..وما بينهما أمور متشابهات هي أغلال وأقفال وضعها المفكرون والسلاطين أمام أبوابنا الموصدة منذ قدم التاريخ ...ولكن من بيده مفاتيح الغيب ..وضع بين أيدينا مفاتيح الشهود. فلنتأمل!!
سألت صديقي يونس عن التعليقات العنيفة التي جاوزت المائة على الخبر الذي نشرته في موقع "هسبريس"،وعن بعض الإشاعات عن سب الشيعة للصحابة والتي يزكيها مواقع بعضهم وكتبهم سواء التراثية أو حتى الحديثة التي لا تزال تصدر وبطبعات منقحة، فكان جوابه بأنه ليس شيعيا،وليقل الناس ماء شاؤوا، فالشيعة وفق التعاريف المشهورة هم فرقة سياسية ظهرت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكانت تقول بأحقية علي بالخلافة، اليوم –يضيف يونس- ليس هناك اختلاف حول الخلافة ،اليوم هناك تحديات خطيرة إن لم تكن لنا الجرأة لمواجهتها سنكون أمة في مهب الريح، فالعدو الخارجي لا يفرق بين شيعي ولا سني ،هدفه هو السيطرة على مقومات الأمة. فنحن خط فكري وثقافي ووحدوي ينهل من منهج آل البيت في معالجة بعض القضايا المعاصرة. لكن التزام خط آل البيت كما يسميه زميلي هو عين التشيع، والشيعة هم الأصحاب والمناصرون، بهذا المعنى فأنت شيعي يا يونس، كان جوابه بأن آل البيت خط إسلامي أصيل ، ومن منا لا يحب آل البيت ؟!؟ .
أما عن التشيع الذي بدأ ينتشر في المغرب ، فحسب رأي السيد السريفي- هو تشيع نِتْواني(=نسبة إلى عالم النت أي الانترنيت) وتشيع مأخوذ من الفضاء الإعلامي خصوصا القنوات الشيعية التي شاعت بعد احتلال العراق، والتي يقودها بعض التيارات الشيعية التي يختلف معها هو نفسه، كما توجد قنوات سنية ممكن أن يختلف معها أهل السنة، بمعنى أن الشيعة هم تيارات كذلك في المغرب ولا علاقة لهم ببعضهم البعض ، وهذا تبين لي من خلال نقاشنا أنه لا يعرف بعض الشيعة بالمغرب،ومعرفته بهم لا تتجاوز ما يتناقله الإعلام وحسب.
أما مسألة التطبير وإلحاق الأذى بالنفس إبان عاشوراء ،فهو يستنكر هذه المشاهد ، ويعتبرها دخيلة على خط آل البيت كما حفلات احمادشة وغيرهم غير إسلامية عند أهل السنة، أما ما نراه من مشاهد في القنوات يشارك فيه بعض الشيعة المتدينين الذين يعتبرون من يقوم بها مأجورا كما يشارك فيها أناس لا علاقة لهم بالدين أصلا.والمفارقة الغريبة أن السيد علي الخامنائي مرشد الجمهورية الإيرانية يحرم هذه المشاهد. وكان مرة بعد المرة يستشهد بما يقول بالمرجع الشيعي البارز السيد حسن فضل الله، مما قد يعني أن صديقنا يونس يتخذه مرجعا.والله أعلم.ولكن تجدر الإشارة إلى أن السيد حسين فضل الله هو مجدد شيعي ومجتهد يختلف معه كثير من الشيعة إلى درجة أنهم يفسقوه ويكفروه، ومنهم من يعتبره أنه سني في عمامة شيعية، خصوصا في فتاواه ضد سب الصحابة، وضد مسألة تحريف القرآن، وتنزيه زوج النبي صلى الله عليه وسلم أمنا عائشة عن الزنا، وتحريمه للمظاهر العاشورائية حيث يذهب أن دم المسلم لا يمكن أن يسيل إلا ضد العدو كما حدث مع سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما، ورؤيته إلى مفهوم العقل عند الشيعة حيث يذهب مذهبا غريبا عن عامة الشيعة إذ يشيد بمفهوم العقل عند السنة أكثر ما هو موجود عند الشيعة.
انتهى لقاؤنا في ساعة متأخرة من الليل، وما أنهاه إلا الوقت الذي كان يحاصرنا، إذ كان هو على موعد مع السفر ، وكنت أنا أريد أن أستسلم للنوم .
قد يزايد علي البعض أني كنت متعاطفا مع شيعي ومجاملا له. أقول وبلا تردد نعم.وأضيف أن ليس لي أي مشكل مع أي مسلم عربي سنيا كان أم شيعيا على قاعدة الانتصار لوحدة الأمة ومقاومة الظلم والجهل ،ولا أجد ضيرا أن يؤمني مسلم في الصلاة كما في مقاومة العدو،وأذكر انه لما كان حزب الله "الشيعي" يدك حصون الصهيونية في الجنوب المقاوم ،كانت التظاهرات في الأزهر الشريف منارة أهل السنة يقودها الإخوان المسلمون أكبر التنظيمات السياسية في مصر وهم من السنة يرفعون شعارات"همة ..همة..نصر الله زعيم الأمة" . نصر الله"الشيعي" بطل تاريخي –أيها الناس- وان كره الكافرون. تمنى اليساريون لو كان منهم ، وكذلك تمنى القوميون والوطنيون والديمقراطيون التحرريون ...والسؤال الذي يطرح : من يفتى بالمقاومة وحراسة الوطن من الأعداء الخارجيين ، ومن يفتى منهم بالفتنة في دماء المسلمين ، ومن يسفه منهم نصوص المجتهدين ؟!!؟ هنا مربط الفرس، لا أجد ضيرا أن أجد نفسي أما قناة المنار"الشيعية" مع من أحترمه ، ولا أستطيع أن أشاهد قناة روتانا "السنية" مع أهلي وأحبتي .فافهم!!
سلاح الفتنة الطائفية في المنطقة العربية قد سقط إلى غير رجعة ، وأتمنى أن يكون ما حدث في العراق سحابة صيف عابرة ، وبالمناسبة فما وقع في العراق لا علاقة له بالصراع المذهبي، ولكنها حرب طائفية غدتها أمريكا ومن يحطب في حبلها من الانتهازيين سنة وشيعة على حد سواء،كما حدث سابقا في لبنان أيضا، ولم نر سنيا تحول إلى شيعي ولا شيعيا تحول إلى سني لأن المذاهب لا تتصارع ولكن تتحاور، ورحم الله عالم الاجتماع العراقي الذي طالما كان يردد: طائفية بلا دين.
محبتي لصديقي وأخي يونس السريفي المواطن المغربي وابن بلدتي،وأخوف ما أخاف منه أن يتلحف الصراع السياسي بالدين لأن جروحه لا تندمل كما حدث في تاريخنا، فالدين هو دعوة للرحمة والوحدة وحب الأوطان، والغيرة عليها.
تصبحــون على وطن
