الآيات
إِنَّ اللهَ وَمَلَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً(56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِى الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً(57)سورة الأحزاب
تفسير الأمثل ج13 ص341 :
......................
أوّلا: (إنّ الله وملائكته يصلّون على النّبي).
إنّ مقام النّبي (صلى الله عليه وآله) ومنزلته من العظمة بمكان، بحيث أنّ خالق عالم الوجود، وكلّ الملائكة الموكّلين بتدبير أمر هذا العالم بأمر الله سبحانه يصلّون عليه، وإذا كان الأمر كذلك فضمّوا أصواتكم إلى نداء عالم الوجود هذا، فـ (ياأيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً).
إنّه جوهرة نفيسة لعالم الخلقة، وقد جُعل بينكم بلطف الله، فلا تستصغروا قدره، ولا تنسوا مقامه ومنزلته عند الله وملائكة السماوات .. إنّه إنسان ظهر من بينكم، لكنّه ليس إنساناً عادياً، بل هو إنسان يتلخّص عالم الوجود في وجوده.
وهنا اُمور يجب الإلتفات إليها:
1 ـ (الصلاة) وجمعها «صلوات»، كلّما نسبت إلى الله سبحانه فإنّها تعني «إرسال الرحمة»، وكلّما نسبت إلى الملائكة فإنّها تعني «طلب الرحمة»(1).1 ـ أورد الراغب هذا المعنى بعبارات اُخرى في المفردات.
2 ـ إنّ التعبير بـ (يصلّون) وهو فعل مضارع يدلّ على الإستمرار، يعني أنّ الله وملائكته يصلّون عليه دائماً وباستمرار صلاة دائمة خالدة.
3 ـ إختلف المفسّرون في الفرق بين (صلّوا) و (سلّموا) والذي يبدو أنسب للأصل اللغوي للكلمتين، وأوفق لظاهر الآية القرآنية، هو: أن (صلّوا) أمر بطلب الرحمة والصلاة على النّبي، أمّا (سلِّموا) فتعني التسليم لأوامر نبي الإسلام الأكرم، كما ورد في الآية (65) من سورة النساء (ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً).
وكما نقرأ في رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ أبا بصير سأله فقال: قد عرفت صلاتنا على النّبي، فكيف التسليم؟ قال: «هو التسليم له في الاُمور»(2). 2 ـ مجمع البيان ذيل الآية مورد البحث.
أو أن يكون بمعنى «السلام» على النّبي (صلى الله عليه وآله) بـ (السلام عليك يا رسول الله) وما أشبه ذلك، والذي يعني طلب سلامة النّبي (صلى الله عليه وآله) من الله سبحانه.
يروي «أبو حمزة الثمالي» عن «كعب» ـ وهو أحد أصحاب النّبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآية قلنا: قد عرفنا السلام عليك، فكيف نصلّي عليك؟ فقال: «قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد»(1).1 ـ المصدر السابق. وروي الحديث الثّاني في كتب الفريقين بطرق متعدّدة، وبعبارات قريبة الألفاظ.
ومن هذا الحديث تتّضح كيفية الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله)وكذلك يتّضح معنى «السلام».
وبالرغم من أنّ هذين المعنيين للسلام يبدوان مختلفين تماماً، إلاّ أنّه يمكن عطفهما وإرجاعهما إلى نقطة واحدة إذا دقّقنا فيهما، وهي: التسليم القولي والفعلي للنبي (صلى الله عليه وآله)، لأنّ من يسلّم عليه ويرجو من الله سلامته، يعشقه ويعرفه كنبي مفترض الطاعة.
4 ـ ممّا يلفت النظر أنّه قد ورد صريحاً في كيفية الصلاة على النّبي وفي روايات لا تحصى من طرق العامّة وأهل البيت، أن يضاف (آل محمّد) عند الصلوات على محمّد (صلى الله عليه وآله).
فقد روي في «الدرّ المنثور» عن صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن مردويه ورواه آخرين عن كعب بن عجرة: أنّ رجلا أتى إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) فقال: أمّا السلام عليك فقد علمناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال النّبي (صلى الله عليه وآله): «قل اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد. اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد».
وقد أورد صاحب تفسير الدرّ المنثور ثمانية عشر حديثاً آخر إضافةً إلى هذا الحديث، صرّحت جميعاً بوجوب ذكر «آل محمّد» عند الصلوات.
وقد رويت هذه الأحاديث عن كتب أهل السنّة المعروفة المشهورة عن جماعة من الصحابة منهم: ابن عبّاس، وطلحة، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وأبو مسعود الأنصاري، وبريدة، وابن مسعود، وكعب بن عجرة، وأمير المؤمنين علي(عليه السلام)(1). 1 ـ تفسير الدرّ المنثور ذيل الآية مورد البحث، طبقاً لتفسير الميزان، ج16، صفحة 344.
وقد رويت في صحيح البخاري (وهو أشهر مصادر الحديث عند أهل السنّة) روايات عديدة في هذا الباب يستطيع من يريد مزيد الإيضاح أن يرجع إليه(2).2 ـ صحيح البخاري، المجلّد 6، صفحة 151.
وكذلك وردت في صحيح مسلم روايتان في هذا الباب(3).3 ـ صحيح مسلم، المجلّد 1، صفحة 305 باب الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله). والعجيب في هذا الكتاب أنّه بالرغم من ورود (آل محمّد) عدّة مرّات في هذين الحديثين، فإنّه إختار هذا العنوان لهذا الباب: (باب الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله)) بدون ذكر «الآل»!!
وثمّة مسألة تستحقّ الإنتباه وهي: أنّ في بعض روايات أهل السنّة، وفي كثير من روايات أهل البيت لم ترد حتّى كلمة (على) لتفرّق بين محمّد وآل محمّد، بل كيفية الصلاة هي: اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد.
وننهي هذا البحث بحديث آخر عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فإنّ «ابن حجر» يروي في الصواعق: أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) قال: «لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون: اللهمّ صلّ على محمّد وتمسكون، بل قولوا: اللهمّ صلّ على على محمّد وآل محمّد»(4).4 ـ الصواعق المحرقة، صفحة 144.
ولهذه الرّوايات فقد اعتبر جمع من كبار فقهاء العامّة إضافةً (آل محمّد) إلى اسم «محمّد» في تشهد الصلاة واجباً(1).1 ـ أورد العلاّمة الحلّي هذا القول في بحث التشهّد من التذكرة ـ إضافةً إلى كلّ علماء الشيعة ـ عن الإمام أحمد وبعض الشافعية.
5 ـ هل أنّ الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله) واجبة أم لا؟ وإذا كانت واجبة فأين تجب؟
يقول الفقهاء في الإجابة عن هذا السؤال: إنّ جميع فقهاء أهل البيت يعتبرونها واجبة في التشهّد الأوّل والثّاني من الصلاة، ومستحبة في غيرهما.
وعلاوةً على الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الباب، فإنّ الروايات الواردة في كتب أهل السنّة، والدالّة على الوجوب، ليست بالقليلة، ومن جملتها ما ورد عن عائشة أنّها قالت: سمعت رسول الله يقول: «لا يقبل صلاة إلاّ بطهور وبالصلاة عليّ».
ويعتبر «الشافعي» ـ وهو من فقهاء العامّة ـ الصلاة على النّبي (صلى الله عليه وآله) واجبة في التشهّد الثاني، و «أحمد» في إحدى الروايتين المرويتين عنه، وجمع آخر من الفقهاء، غير أنّ «أبا حنيفة» لا يعتبرها واجبة.
والطريف أنّ «الشافعي» قد نظّم فتواه هذه شعراً وذكرها بصراحة حيث يقول:
ياأهل بيت رسول الله حبّكم فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم من لم يصلّ عليكم لا صلاة له(2)2 ـ ذكر العلاّمة الأميني في كتاب «الغدير» النفيس نسبة هذه الأشعار إلى الشافعي عن شرح المواهب للزرقاني وجماعة آخرين.
الآيات